يواصل حزب العدالة والتنمية استعداداته لعقد مؤتمره الوطني التاسع في شهر أبريل من سنة 2025، طارحا معه الكثير من التساؤلات حول الجديد الذي ستأتي به هذه المناسبة التنظيمية الداخلية لفائدة الحزب الذي قاد الشأن العمومي لمدة عقد من الزمن.
وعرف البيت الداخلي لـ”البيجيدي” مجموعة من المستجدات منذ انتخابات ثامن شتنبر 2021 التي تراجع فيها حضور الحزب سياسيا على مستوى المؤسسات الوطنية، خصوصا البرلمان، مما نتجت عنه نقاشات داخلية مُركّبة أفضت إلى عودة عبد الإله بنكيران على رأس الأمانة العامة لمرافقة الحزب خلال تلك الفترة الحساسة.
ويبدو أن الحزب إلى حدود الساعة يضم مؤمنين بضرورة “استمرار القيادة نفسها إلى أن يستعيد عافيته بعد ما عرفه في سنة 2021″، كما يضم آخرين ينتصرون لفكرة “التشبيب والتجديد وإعادة هيكلة الحزب بما يتناسب ومقتضيات المرحلة”، في حين طلب عبد الإله بنكيران، الأمين العام، مؤخرا من “مختلف المؤمنين بفكرة القيادة الجديدة الاستعداد المبكر للانتخابات ومرحلة التصويت”، أي خلال المؤتمر الوطني المنتظر.
خيارات مستقبلية مطروحة
بلال التليدي، متخصص في حركات الإسلام السياسي، قال إن “الرهانات التنظيمية للحزب مفتوحة على كل الخيارات، حيث سيكون المؤتمر الوطني التاسع بمثابة لحظة مفصلية تتعلق أساسا بتقييم التجربة إلى حدود اليوم، وذلك بعدما كان الهدف من مؤتمر 2021 الاستثنائي هو استعادة المبادرة”.
وأضاف التليدي، في تصريح لهسبريس، أن “الفاصل بين المؤتمرين المذكورين هو ثلاث سنوات تقريبا، والأمين العام للحزب كان قد تحدث سابقا على أنه لن يتم عقد المؤتمر إلا وقت تعافي الحزب وأن المؤتمر سيكون عرسا نضاليا يجمع مكونات الحزب وقواه الحية”، متابعا: “السؤال المطروح الذي يبقى بمثابة محدد أساسي لطريقة اشتغال الحزب مستقبلا هو: هل حصل التعافي فعليا وعادت كل قوى الحزب إلى مواقعها؟ فالإجابة عن هذا السؤال هي التي سيُبنى عليها الخيار التنظيمي”.
وزاد: “إذا كان التقييم إيجابيا، فإنه سيكون بمثابة نقطة اعتماد للقيادة للتجديد لدورة أخرى. وإذا كان التقييم سلبيا، فإن المؤتمر سيطرح وقتها أفكارا أخرى للنقاش، منها: هل إن القيادة التاريخية ما زالت تمتلك القدرة على أن تعيد الاعتبار للحزب أم إن المؤسسة الحزبية بحاجة إلى جيل جديد؟”، موردا: “من وجهة نظر شخصية، فإن التعافي لم يحصل على المستوى الداخلي على الرغم من تصحيح جملة من مواقف الحزب التي صارت اليوم صلبة ومُصحّحة كذلك “.
وذكر المتحدث أن “الأمين العام للحزب كان قد أشار في وقت سابق إلى أن تصحيح مواقف الحزب وتقويتها سيعيد له (الحزب) عافيته بطريقة تلقائية، والذين ابتعدوا سيعودون، وهو ما لم يحصل على الرغم من تصحيح المواقف وتصلّبها؛ فالتّعافي السياسي لم يكن له أثر مباشر على مستوى البنية التنظيمية للحزب”.
وشدد الباحث المتخصص في حركات الإسلام السياسي على أن “الحزب حسّن موقعه على المستوى السياسي منذ 2021، حيث يمكن القول بأنه صار يشكل المعارضة الأساسية في البلاد على الرغم من محدودية حضوره المؤسساتي، خصوصا على مستوى مجلسي النواب والمستشارين. لكن يبقى من السابق لأوانه التكهن بأثر هذه الدينامية السياسية على الجسم التنظيمي وما إذا كانت كافية لتجديد شرعية القيادة الحالية، خاصة وأنّها تعهدت بأنها ستجعل من المؤتمر المقبل عرسا داخليا تنتهي فيه أزمة الحزب الداخلية”.
وتابع: “لذلك، فالمستقبل مفتوح على ثلاثة خيارات: إما الاقتناع بتحسن المواقف السياسية للحزب واعتبار ذلك كافيا لتجديد ولاية أخرى لبنكيران، وإما الاقتناع بأن المهمة الأساسية لم تنجز، أي عافية التنظيم الداخلي، وانتهاء الانشطار بين تياريْ الحزب الأساسيين، ومن ثمة ترتيب الأثر على ذلك بالبحث عن خيارات قيادية أخرى، وليس مستبعدا أن يكون الاستحقاق التنظيمي بعيدا كليا عن هذا النقاش، وحينها سيكون الخيار الثالث هو المطروح على الطاولة، أي أن يكون الإمساك بمفاصل التنظيم محددا أساسيا في حسم مسألة القيادة بعيدا عن تأثير أي نقاش سياسي أو تنظيمي حيوي”.
تحديات أمام الحزب
حميد بحكاك، باحث بمركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، قال من جهته إن “معالم المؤتمر الوطني المقبل لحزب العدالة والتنمية لم تتضح بعد، إذ إن الأوراق السياسية التي سيتم تقديمها وقتها، بما فيها الورقة المذهبية والأطروحة السياسية، هي التي ستعطي إشارات عن الفكرة التي سيصل إليها المؤتمرون، غير أن هذا لا يلغي إمكانية استمرار الأمين العام عبد الإله بنكيران على رأس الأمانة العامة للحزب لولاية جديدة”.
وأضاف بحكاك، في تصريح لهسبريس، أنه “في إطار الاستعداد لترتيب الأوراق خلال المؤتمر الوطني المقبل، فإن الحزب سيصطدم بمجموعة من النقاط التي يجب أن يعمل عليها على مستوى أوراقه التنظيمية، بما فيها إعادة تحديد مفهوم المرجعية الإسلامية وعدم جعله فضفاضا:
هل يقصد به على المستوى الأخلاقي أم العقدي؟”، مشيرا إلى أن “البيجيدي” سيكون كذلك “مدعوا لإعادة ضبط العلاقة بين الدعوي والسياسي، أي حركة التوحيد والإصلاح والحزب، إذ إن النتائج التي حصل عليها في 2021 تبرز أنه لم تكن هناك أصوات من قبل الحركة، وهذه من أبرز التفسيرات المطروحة إلى اليوم”.
وزاد: “سيكون الحزب كذلك أمام اختبار إعادة ضبط الهوية التنظيمية والسياسية: هل هو محافظ أم إسلامي؟ حيث ظهر توجّه عدد منهم (مناضلي الحزب) لوصف الحزب فقط بالمحافظ، ثم العمل على تحدي العلاقة بين الحزب والدولة”، لافتا إلى أن “الخلافات الداخلية لم تحسم بعد، إلى درجة أن هناك من يربط عودته إلى الحزب بعدم استمرار القيادة الحالية، أو حتى منسوب التجديد الذي ستحمله الأوراق السياسية للحزب نفسه”.
0 تعليق