برزت المكانة التي يحظى بها المغاربة المقيمون بالخارج لدى الملك محمد السادس من خلال الخطابات التي يوجهها في مختلف المناسبات الوطنية، إذ تطرق في خطاب غشت 2022 إلى ما يقومون به من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية، ثم دعا اليوم بمناسبة خطاب المسيرة الخضراء في الذكرى التاسعة والأربعين إلى إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بهم، بما يضمن عدم تداخل الاختصاصات وتشتت الفاعلين، والتجاوب مع حاجياتها الجديدة.
وما فتئ الملك محمد السادس في مختلف خطاباته يؤكد على الدور المحوري للجالية المغربية المقيمة بالخارج، وهو ما يقتضي بحسب مضمون خطاب سنة 2022 تمكينها “من المواكبة الضرورية، والظروف والإمكانات، لتعطي أفضل ما لديها، لصالح البلاد وتنميتها”، مردفا: “لذا نشدد على ضرورة إقامة علاقة هيكلية دائمة مع الكفاءات المغربية بالخارج، بمن فيها المغاربة اليهود؛ كما ندعو إلى إحداث آلية خاصة، مهمتها مواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج، ودعم مبادراتها ومشاريعها”.
ولعل خطاب الملك بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب لسنة 2022 كان واضحا من خلال الدعوة إلى تحديث وتأهيل الإطار المؤسسي الخاص بالجالية، وإعادة النظر في نموذج الحكامة الخاص بالمؤسسات الموجودة، قصد الرفع من نجاعتها وتكاملها.
ويظهر الاهتمام الملكي بأهمية هذه الشريحة من خلال ربطها بقضية الوحدة الترابية، والتأكيد في خطاب المسيرة الخضراء ليلة الأربعاء على دورها المحوري والهام، و”روح الوطنية التي يتحلى بها المغاربة المقيمون بالخارج، والتزامهم بالدفاع عن مقدسات الوطن، والمساهمة في تنميته”.
اهتمام بالجالية
يرى محمد الإدريسي، رئيس فيدرالية الجمعيات المغربية بإسبانيا، أن “الخطاب الملكي يبرز دور الجالية المغربية المقيمة بالخارج باعتبارها رافعة لبناء الوطن، مع جعل السياسات العمومية تصب في مصلحة هاته الجالية وترسي دعما قويا لها من خلال إحداث آلية خاصة، مهمتها مواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج، ودعم مبادراتها ومشاريعها”.
وأشاد الإدريسي، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، بـ”الاهتمام الكبير الذي يوليه الملك لمغاربة العالم، من خلال دعوته الحكومة إلى العمل على هيكلة المؤسسات المختصة بالجالية المغربية بالخارج، وعلى رأسها مجلس الجالية المغربية بالخارج والمؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج”.
وزاد المتحدث ذاته أن “هاتين المؤسستين تمثلان مبادرة ملكية مبتكرة وخلاقة ستمكن المغرب من اختصار الزمن والجهد في سبيل مواكبة وتثمين مجهودات الجالية المغربية بالخارج، وإشراكها الفعلي في الاستثمار وتنمية الاقتصاد الوطني، إلى جانب الدفاع بشكل مؤسساتي وجماعي عن الوحدة الترابية في البلدان التي تتواجد بها”.
واعتبر الفاعل المدني والسياسي في إسبانيا أن “تفعيل المؤسستين من شأنه أن يسهل تعبئة كفاءات المغاربة المقيمين بالخارج وفتح المجال أمامها، ودعم أصحاب المبادرات والمشاريع المبتكرة”.
ونوه رئيس فيدرالية الجمعيات المغربية في إسبانيا بالعناية الملكية بمغاربة الخارج، من خلال “المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج”، وهو ما يعكس “الاهتمام الملكي الدائم بهذه الفئة من المواطنين المنتشرة في مختلف ربوع العالم”.
إصلاح مؤسساتي
يؤكد الباحث في الشأن السياسي رشيد لزرق أن “الخطاب الملكي جاء ليعبر عن رؤية شمولية لتعزيز الارتباط الوثيق بين المغاربة المقيمين بالخارج وأرضهم الأم، وتمكينهم من المشاركة الفاعلة في التنمية الشاملة للمملكة”.
واعتبر لزرق، ضمن تصريحه للجريدة، أن “توطيد هذا الارتباط وإشراك مغاربة الخارج في التنمية لن يتأتى إلا من خلال إصلاح وإعادة هيكلة المؤسسات المعنية بشؤون الجالية”، مشددا على “هيكلة مجلس الجالية المغربية بالخارج كمؤسسة دستورية مستقلة، إضافة إلى إنشاء ‘المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج’ كذراع تنفيذية لسياسة الدولة في هذا المجال”.
ويرى المتحدث نفسه أن “هذه المؤسسة التي دعا الملك إلى إحداثها ستكون مهمتها الحد من التجاذبات والتقاطعات بين الفاعلين وتوحيد الصلاحيات، إلى جانب تجميع وتنسيق السياسة الوطنية للمغاربة المقيمين بالخارج، وإدارة ‘الآلية الوطنية لتعبئة كفاءات المغاربة المقيمين بالخارج'”.
وسجل الدكتور لزرق أن “العناية الملكية بالجالية تتجلى بشكل واضح من خلال تسمية المؤسسة الجديدة ‘المحمدية’، وهو ما يعكس الدور الكبير الذي ستلعبه، سواء في تعبئة الروابط الروحية بين هذه الشريحة والمملكة، أو من خلال تسهيل المعيقات والمطبات أمامها في الاستثمار داخل البلد الأم والمساهمة في تنميته بشكل أكثر من أي وقت مضى، وفتح آفاق جديدة أمام استثماراتها في المغرب”.
ويؤكد المتحدث أنه “لنجاح هذا الورش ينبغي تجميع المؤسسات التي تعنى بالجالية وتوحيد رؤيتها وعملها من داخل المؤسسة المحمدية التي ستكون آلية تنفيذية لتنزيل السياسات التي رسمها المغرب، والمتمثلة في توطيد علاقة بين مغاربة العالم وموطنهم الأم”، معتبرا أن “تعدد المؤسسات يعرقل الفاعلية والنجاعة”.
وستكون الحكومة التي عهد لها أمر إحداث هذه المؤسسة، وفق المصرح نفسه، ملزمة بالبحث عن “بروفايلات” قادرة على تنزيل سياسات الدولة في ما يتعلق بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، وقادرة على حث هذه الشريحة على الاستثمار في بلدها الأم من جهة، ومن جهة ثانية الترافع أمام مختلف المؤسسات ببلدان الإقامة عن القضية الوطنية.
0 تعليق