المغرب ومواجهة الكوارث الطبيعية .. من الاستجابة السريعة إلى العدالة المناخية

0 تعليق ارسل طباعة

أثارت منظمة “غرينبيس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” قضية الكوارث الطبيعية في المغرب وتأثيراتها على المجتمعات المحلية في ظل التغيرات المناخية المتسارعة، مسلطة الضوء على كارثة الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق المغرب، مثل إقليم طاطا، والتي خلفت خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، لافتة إلى أن “هذه الكوارث، التي تتكرر بوتيرة أعلى نتيجة التغير المناخي، تؤكد أهمية التفكير في حلول فعالة تعزز من قدرة المجتمعات المحلية على التأقلم والاستجابة من خلال الإشارة إلى الدور المحدود الذي تقوم به الحكومة المغربية في تعويض المتضررين، والدعوة إلى تفعيل صندوق التأمين ضد الكوارث وتبسيط الإجراءات لتسريع عملية الدعم”.

واستعرضت “غرينبيس”، المنظمة البيئية غير الحكومية، في مقال توصلت به جريدة هسبريس الإلكترونية بعنوان “المغرب ومواجهة الكوارث الطبيعية: من الاستجابة السريعة إلى العدالة المناخية”، المسؤولية الكبيرة التي تتحملها شركات الوقود الأحفوري والدول الصناعية في تفاقم أزمة المناخ، نظرا لتاريخ طويل من الانبعاثات الكربونية التي تضر بالبيئة، مقترحة فرض “ضريبة الأضرار المناخية” على هذه الشركات، باعتبارها جزءا من حل دولي يساعد الدول النامية مثل المغرب في مواجهة آثار التغير المناخي، مؤكدة أهمية “تعزيز العدالة المناخية على مستوى السياسات الدولية، حيث يجب أن تتكفل الدول والشركات التي أسهمت بشكل كبير في هذه الأزمة بدفع تعويضات للدول الأكثر تأثرا، مما يسهم في تعزيز بنية تحتية مستدامة وتحقيق حياة كريمة للمجتمعات المتضررة”.

نص المقال:

في سبتمبر الماضي، شهدت مناطق جنوب شرق المغرب، بما في ذلك إقليم طاطا، فيضانات غير مسبوقة، جرفت معها المنازل والواحات، وأودت بحياة العديد من المواطنين. هذه الفيضانات، التي تعد الأسوأ في أكثر من 50 عاما، هي أحدث مثال على التغيرات المناخية المتزايدة التي تشهدها المنطقة. ومع تزايد وتيرة الكوارث الطبيعية نتيجة التغيرات المناخية، أصبحت آثارها المدمرة واضحة بشكل متزايد. فمن الفيضانات إلى ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق وموجات الحر والحرائق، لم يعد ثمن التغير المناخي يقتصر على الخسائر المادية، بل بات يتسبب في نزوح العائلات وخسائر في الأرواح ودمار للبنى التحتية وضياع كثير من الأحلام والآمال.

ومع انتظار المجتمع المحلي تدخل الحكومة لوضع استراتيجيات فع الة لتعويض كامل المتضررين، تطرح هنا أسئلة محورية وملح ة: من المسؤول الأول عن التعويض عن الخسائر المادية والأضرار التي لحقت بشعب المغرب؟ كيف يجب أن يتعامل المغرب ماديا مع هذه التحديات المناخية المتزايدة المتكررة؟ وما علاقة الشركات الدولية الكبرى، خاصة شركات النفط والغاز بما يمر به المغرب؟

الاستجابة الأولية والتعويضات: الحاجة إلى حلول مستدامة

فيضانات سبتمبر ليست الأولى هذا العام، بل هي الأحدث في سلسلة من الفيضانات المدمرة التي تعكس اتجاها متصاعدا في الكوارث المناخية.

ففي أكتوبر من هذا العام أثرت الفيضانات على عدة مناطق في شمال غرب ووسط المغرب، وأودت بحياة أربعة أشخاص، وأصيب ثمانية أشخاص، وتضررت عدة منازل. في سبتمبر 2023، قال المسؤولون إن العواصف التي أيضا أدت إلى دمار وفيضانات ومقتل 20 شخصا على الأقل، كانت تجاوزت المعدلات التاريخية، حتى تلك اللحظة.

وبين عامي 2000 و2021، تم تسجيل عشرين فيضانا كبيرا في المغرب، مما أسفر عن خسائر مباشرة بمقدار 450 مليون دولار سنويا، وفقا لتقرير صادر عن التحالف المغربي للمناخ والتنمية المستدامة منشور عبر اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بتغير المناخ (UNFCCC) في عام 2022.

في الوقت الذي بدأت فيه الحكومة المغربية اتخاذ خطوات لتعويض المتضررين من خلال صندوق التأمين ضد الكوارث، تبقى هذه الجهود غير كافية بالنظر إلى حجم الخسائر. وأشار مسؤول بعمالة طاطا إلى أن بعض المناطق لم تصلها السلطات لتقييم حجم الدمار، في حين لا يزال المواطنون ينتظرون المساعدات التي طال أمدها. لذا، يتطلب الأمر أكثر من مجرد إنشاء الصناديق، بل تفعيلها على أرض الواقع عن طريق تبسيط الإجراءات لتسريع عمليات التعويض وضمان وصول الأموال للمحتاجين في الوقت المناسب.

الفيضانات التي شهدها الجنوب الشرقي ليست حادثة معزولة، بل تعكس نمطا متكررا يتفاقم مع التغير المناخي. لقد شهدت السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في عدد وشدة الكوارث الطبيعية الناتجة عن تغير المناخ مثل الفيضانات وحرائق الغابات والجفاف.

من يتحمل ثمن أزمة المناخ؟

إن الواقع المؤلم هو أن من يتحمل العبء الأكبر من هذه الكوارث هم الأشخاص الأكثر فقرا والمناطق الريفية التي تساهم بشكل ضئيل جدا في انبعاثات الكربون. ومع ذلك، هم الذين يرون بيوتهم ومحاصيلهم تجرفها السيول، في حين يجب أن تتركز المسؤولية الأكبر على عاتق الدول المسؤولة تاريخيا (عن أكبر نسبة انبعاثات)، التي تستفيد من استثمارات الوقود الأحفوري دون تحمل العواقب البيئية.

تذهب معظم أرباح قطاع النفط والغاز إلى شركات وأشخاص معدودين فاحشي الثراء، في حين إن الشعوب لا تحصل إلا على الفتات من العائدات الاقتصادية لهذه الموارد، على الرغم من أنها مستخرجة من أراضيها. في الحقيقة، كثيرا ما تُستخدم هذه العائدات القليلة في معالجة الآثار الصحية السلبية التي تتركها هذه الصناعات على المواطنين.

شركات الوقود الأحفوري تلعب دورا كبيرا في تفاقم أزمة المناخ وعواقبها. هذه الشركات تدرك تماما أن منتجاتها تقود إلى تغير مناخي كارثي، ومع ذلك تواصل تكثيف الاستخراج وتقاتل ضد أي إجراءات ذات معنى يمكن أن تقلل من الانبعاثات من خلال نشر المعلومات المضللة وممارسة الضغط ضد السياسات المناخية التي يمكن أن تحاسبهم.

في عام 2015، كانت شركات الوقود الأحفوري وحدها مسؤولة عن 91% من الانبعاثات الصناعية العالمية للغازات الدفيئة، وحوالي 70% من إجمالي الانبعاثات الناتجة عن الأنشطة البشرية، كما كشف تقرير عام 2017 نشرته مؤسسة (CDP) “Carbon Disclosure Project”. من اللافت أنه تعود هذه الملوثات، التي تفاقم أزمة المناخ، إلى عدد محدود من المصادر الرئيسية، فحوالي 100 شركة فقط تتحمل مسؤولية أكثر من نصف الانبعاثات منذ الثورة الصناعية.

الأرباح الهائلة التي تجنيها هذه الشركات في ظل هذا الدمار البيئي الواسع مذهلة. عندما تستطيع ست شركات نفط عملاقة تحقيق 133 مليار دولار في عام واحد-بينما تعمل بنشاط على عرقلة التقدم في العمل المناخي-يصبح واضحا أننا نتعامل مع صناعة لها جذور عميقة في آليات السلطة والنفوذ.

بالفعل، تأثير شركات الوقود الأحفوري على أزمة المناخ لا يقتصر فقط على الانبعاثات التي تنتجها؛ بل يشمل أيضا التلاعب بالرأي العام وصنع السياسات التي تخدم مصالحها فقط. منذ عام 1988، تضاعفت الانبعاثات الناتجة عن الوقود الأحفوري، وخلال هذه الفترة انخرطت بعض الشركات الكبرى في حملات ممنهجة للتشكيك في علوم المناخ، مما عرقل الجهود المبذولة لمعالجة المشكلة. وضغطت هذه الشركات على صناع القرار لتأخير أو إضعاف الإجراءات المناخية. هذا النفوذ غير المحدود على السياسات سمح لها بمواصلة أعمالها كالمعتاد، مما يعيق تطوير الطاقة المتجددة ويكرس الاعتماد على الوقود الأحفوري. وبذلك تتم التضحية بصحة الكوكب ومستقبل الأجيال من أجل أرباحها.

لذلك، يجب أن تتحمل شركات النفط والغاز، وكذلك الدول الملوثة تاريخيا، مسؤوليتها المالية والأخلاقية تجاه الدول النامية.

صندوق الخسائر والأضرار: حل دولي للمشكلة المحلية

في ظل عدم كفاية التمويل المتاح حاليا، يُطرح تساؤل حول دور صندوق الخسائر والأضرار، الذي يهدف إلى مساعدة الدول النامية في مواجهة آثار تغير المناخ. وقد تصل التكلفة الاقتصادية المقدرة لهذه الخسائر والأضرار إلى ما بين 290 مليار دولار و580 مليار دولار بحلول عام 2030، وفقا لتقرير نشر على جريدة “سبرنغر نيتشر” (Springer Nature). في حين إن التعهدات الأولية للصندوق في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين (COP28) بلغت حوالي 661.39 مليون دولار، فإن هذا المبلغ لا يذكر مقارنة بالأرباح الهائلة لصناعة الوقود الأحفوري، التي بلغ متوسطها حوالي 2.8 مليار دولار يوميا على مدى الخمسين عاما الماضية. هذا التباين الصارخ يسلط الضوء على خلل مقلق في الأموال المخصصة لدعم الدول المتأثرة والاحتياجات السنوية المقدرة للدول النامية التي تواجه آثار تغير المناخ، وهي جزء بسيط من أرباح صناعة تسببت بشكل كبير في هذه الأزمات.

يقترح تقرير جديد مدعوم من أكثر من 100 منظمة مناخية عالمية، بما في ذلك “غرينبيس”، ومبادرة “Stamp Out Poverty”، و”Power Shift Africa” و”Christian Aid”، أن فرض “ضريبة الأضرار المناخية” على استخراج الوقود الأحفوري في أغنى اقتصادات دول العالم المتقدمة قد يجمع 720 مليار دولار بحلول نهاية العقد لدعم الفئات الأكثر ضعفا في مواجهة أضرار المناخ. ويقترح التقرير أن تقوم دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وخاصة أعضاء مجموعة السبع، بفرض رسوم على كل طن من ثاني أكسيد الكربون (CO2e) المضمن في استخراج الفحم والنفط والغاز داخل الحدود الوطنية. هذه الرسوم ستجمع ما يكفي لتمويل احتياجات صندوق الخسائر والأضرار حتى عام 2030.

هناك تقارير أخرى تشجع أيضا على فرض ضرائب على أرباح الملوثين، التي تصل إلى متوسط 2.8 مليار دولار يوميا. لماذا لم نستفد من هذه الأموال حتى الآن؟ بالإضافة إلى فرض ضرائب على الملوثين لتغطية أضرار المناخ، ينبغي عليهم أيضا المساهمة في تمويل المناخ الشامل، بما في ذلك تمويل التكيف والتخفيف من حدة التغيرات المناخية، حيث إن شركات الوقود الأحفوري والدول المضيفة لها قد استخرجت مواردنا لقرون دون دفع الثمن الكامل، ولا تزال تفعل ذلك من خلال ممارسات استعمارية جديدة.

لماذا تتحمل بلداننا ومجتمعاتنا معظم التكاليف لتأثيرات المناخ بينما كنا الأقل مسؤولية عنها؟

العدالة المناخية: مسؤولية مشتركة

على المستوى الدولي، يجب أن نطرح السؤال: لماذا يتحمل المغرب، الذي يساهم بنسبة ضئيلة في البصمة الكربونية العالمية، هذه الأعباء الضخمة؟ الجواب يكمن في مفهوم العدالة المناخية. لا يمكن للحكومات المحلية وحدها أن تتحمل هذا العبء، بل يجب على الدول الصناعية الكبرى، التي استفادت تاريخيا من النمو الاقتصادي المدفوع من استثماراتها في الوقود الأحفوري، أن تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية.

إن التغيرات المناخية التي يشهدها المغرب، بما في ذلك الفيضانات المدمرة، تعتبر تذكيرا بأن أزمة المناخ هي قضية تتعلق بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية.

البلدان في منطقتنا، وفي معظم بلدان الجنوب العالمي، غير قادرة على التعامل مع العواقب الوخيمة لأزمة المناخ والتخفيف من حدتها. هذا العجز يمكن ملاحظته في كافة نتائج التغير المناخي، بدءا من الاستجابة الأولية إلى الكارثة. تمتلك الدول الغنية الموارد والبنية التحتية التي تمكنها من حماية مجتمعاتها إلى حد ما، بينما تفتقر دول مثل المغرب، رغم جهودها الاستباقية، إلى هذه الإمكانيات في كثير من الأحيان.

تمويلات أزمة المناخ تتجاوز كونها مجرد سياسة مالية، بل هي مسألة إنصاف ووضع نهج عالمي أكثر عدالة. فالدول الأكثر عرضة لتأثيرات المناخ غالبا ما تكون الأقل مسؤولية عن الانبعاثات التي تؤدي إلى تغير المناخ. معظم دول الجنوب العالمي، التي تعاني من محدودية الموارد، تتحمل وطأة الأزمات المتطرفة، كسيول المغرب والجفاف في العراق وارتفاع مستويات البحار في مصر والتدهور البيئي الملموس في معظم الدول. هذه الدول ساهمت بجزء ضئيل فقط من الانبعاثات التاريخية التي تسببت في هذه الأزمات. لذا، فإن محاسبة شركات النفط والغاز ودول الشمال العالمي ذات الانبعاثات العالية وإرث استعماري وتمويلها لتخفيف حدة أزمات المناخ ليس بتفضل أو عمل خيري؛ بل تصحيح لخلل تاريخي تسببت فيه، لبناء القدرة على التكيف والاستجابة بفعالية لتحديات المناخ.

إن حجم عدم المساواة ضخمٌ جدا، وحان الوقت لتعزيز العمل الدولي لمعالجة هذا الخلل. بينما نحن على مشارف قمة المناخ “COP29″، هناك فرصة للمغرب لقيادة هذا المسار، والدفع نحو آليات دولية تحاسب الدول الملوثة تاريخيا، خاصة أن الأمر أصبح مدرجا تحت مواثيق حقوق الإنسان.

على الدول المتضررة المطالبة في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين بأن يدفع الملوثون الثمن، وبدمج هذا المبدأ في آليات تمويل المناخ. هذا يعني أن الشركات والصناعات والدول الأكثر تسببا في انبعاثات الغازات الدفيئة تساهم بشكل مباشر في الصناديق التي تدعم العمل المناخي. من خلال مطالبة المستفيدين من التلوث بتحمل تكاليف البيئية، نبعث برسالة واضحة: تحقيق الأرباح على حساب البيئة يفرض مسؤوليات لا يمكن التهرب منها.

يرتبط نجاح المؤتمر أيضا ارتباطا وثيقا بتحديد هدف جديد للتمويل المناخي، في شكل منح، من أجل التكيف مع تغير المناخ، وكذلك تخفيف عبء ديون دول الجنوب العالمي التي تعتبر أحد أهم المعوقات أمام تنفيذ قرار قمة المناخ “COP28” بالتحول عن استخدام الوقود الأحفوري وزيادة الطاقة المتجددة بمقدار ثلاثة أضعاف ومضاعفة كفاءة الطاقة بحلول عام 2030.

لدى المغرب فرصة لقيادة العدالة المناخية، من خلال الدفع نحو نظام عالمي يضمن تمويلا عادلا للدول المتضررة، واستثمارات في البنية التحتية المستدامة، وتعويضات سريعة وفعالة للمتضررين من الكوارث الطبيعية. إن حماية المواطنين وضمان حقهم في حياة كريمة يجب أن تكون في صلب هذه الجهود على الصعيدين الوطني والدولي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق